تشهد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إقليم كوردستان العراق، “عصفاً فكرياً” قوياً لإرساء قانون جديد ينظم شؤون قطاع التعليم العالي في الإقليم، على وفق المعايير العالمية، وبما يؤمن لهذا القطاع الحيوي، مقومات النهوض والتقدم والاستقلالية المطلوبة، علاوة على توطيد علاقته بالمجتمع المحلي.
فعل مدى الاسبوع الماضي، عقد مجلس الوزارة، أكثر من جلسة لمناقشة المسودة المقترحة لمشروع القانون ، بهدف ترصينها وإخراجها بالنحو اللائق الذي يمكن أن يحظى بقبول ممثلي شعب الإقليم، في برلمان كوردستان.
“ إعادة هيكلة الجامعات وتأكيد استقلاليتها
ويجسد القانون الرؤية الإستراتيجية الجديدة للوزارة، ويعززها بإطار قانوني، يكسبها الزخم المطلوب لديمومة جهود “التحديث والتطوير والترصين” التي يقودها الوزير البروفيسور دلاور عبد العزيز علاء الدين، منذ توليه منصبه مع الكابينة السادسة برئاسة د.برهم أحمد صالح، على إثر انتخابات تموز عام 2009، بدعم مباشر من رئيس إقليم كوردستان، مسعود بارزاني.
تركز المسودة المقترحة للقانون الجديد، بحسب مصادر مطلعة في الوزارة، على “النهوض بمستويات التعليم العالي والبحث العلمي، بما ينسجم مع التطورات التي شهدها إقليم كوردستان على الأصعدة كافة، ومنهجية علمية قادرة على مواجهة تحديات العصر والارتقاء بها بنحو يتفق مع متطلبات التنمية واحتياجات قطاعات العمل والإنتاج في الإقليم.. واستحداث نظام مالي متوازن ومستقر لتمويل التعليم العالي والبحث العلمي، بموجب معادلة وموازنة تأخذ بنظر الاعتبار المستوى النوعي والكمي، ويبنى على أسس المنافسة الحرة والبناءة بين مؤسسات التعليم العالي.. وضمان الجودة في عملية التعليم العالي والبحث العلمي من خلال تقييم المؤسسات الأكاديمية الحكومية وغير الحكومية، ومتابعة عملها بما يضمن الحفاظ على المستوى العلمي بموجب الضوابط والمعايير العالمية المعمول بها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان ذلك عبر آليات واضحة ومحددة، ومنح شهادات الاعتمادية لهذه المؤسسات.. وإعادة صياغة هيكلية مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بموجب نظام ديمقراطي حديث يتلائم مع العالم المعاصر، ويخلصها من القوالب الجامدة والصارمة، التي تكبلها في ظل القانون المعتمد حالياً.
كما تركز المسودة المقترحة، أيضاً على “رعاية النهج الديمقراطي وتعزيزه بما يضمن حرية العمل الأكاديمي وحقوق العاملين من أساتذة وطلبة وموظفين، وواجباتهم، ويعزز استقلالية هذه المؤسسات.. ورعاية الجوانب الإنسانية وحقوق الإنسان في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.. وتشجيع الاستثمار في مجال التعليم العالي والبحث العلمي عبر معايير الجودة والنوعية.. وتوثيق التعاون العلمي والثقافي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي مع الدول والمنظمات الدولية وتوسيع ميادينه في الاتجاهات الحديثة والمتطورة.. وتوفير البيئة الأكاديمية والبحثية والنفسية والاجتماعية الداعمة للإبداع والتمييز والابتكار وإبراز المواهب وتنمية شخصية الطالب الجامعي بإبعاده الروحية والفكرية والجسدية”.
ومن ذلك، يتضح أن المقترح يتضمن، إعادة هيكلة الجامعات والهيئات العلمية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العملي في حكومة إقليم كوردستان العراق، على وفق ما هو موجود في دول العالم المتقدم، وبما يحقق لها كفاءة أكبر في الأداء، والمرونة، ويخلصها من الترهل، ويمكنها من تحشيد الطاقات لتكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافها المرجوة، سواء في الجانب التعليمي أم البحثي.
ويؤكد المقترح كذلك، على اللامركزية وزيادة استقلالية الجامعات، وتوسيع دائرة صنع القرار، سواء في الوزارة أم الجامعات، وبناء علاقة تفاعلية بين القطاع والمجتمع المحلي.
تشكيلات جديدة
وستضم الوزارة، بحسب المقترح، مجلساً للتعليم العالي والبحث العلمي، برئاسة الوزير، وعضوية وكلاء الوزارة، رئيس هيئة ضمان الجودة ومنح الاعتمادية، رئيس مجلس تقيم وتمويل البحث العلمي، وسبعة من رؤساء الجامعات ينتخبون لمدة سنتين من قبل هيئة الاستشارات والرأي، منهم أربعة لجامعات حكومية، ورئيس من رؤساء الجامعات التقنية، ورئيسين من رؤساء الجامعات أو الكليات الجامعة غير الحكومية.
كما تضم الوزارة، وفقاً للمقترح ذاته، هيئة للاستشارات والرأي، وظيفتها إبداء الاستشارة والرأي في شؤون التعليم العالي والبحث العلمي، في القضايا التي تحال إليها من الوزير أو مجلس الوزارة.. وتتكون من، رؤساء الجامعات الحكومية وغير الحكومية، مستشاري الوزير، علاوة على متخصصين من ذوي الخبرة المكتسبة في الجامعات أو مراكز البحوث العالمية في الدول المتقدمة. في حين تقترح مسودة القانون، أن تتألف الجامعات من مجالس وهيئات رئيسة هي مجلس السنات (يتكون من ممثلي جميع أساتذة وموظفي وطلبة الجامعة، وهو أعلى سلطة فيها، ويكون المسؤول عن السياسة الأكاديمية والإدارية والمالية العامة للجامعة)، هيئة الأمناء، وهي المرجع الأعلى للإدارة في الجامعة (تتألف من أربعة أعضاء من التدريسيين الذين يتم انتخابهم كل سنتين من قبل سنات الجامعة، وأعضاء بحكم وظائفهم من القيادات الجامعية من رئيس الجامعة ومساعديه، وخمسة إلى سبعة أعضاء خارجين متطوعين من وجهاء المجتمع المحلي)، ومجلس الإدارة.. وهياكل تنظيمية وسطية هي الفاكلتيات (الكليات الجامعة التي تتشكل منها الجامعة)، المدارس العلمية التخصصية التي تضم الوحدات العلمية الأساسية ومراكز البحوث.. وأخيراالوحدات العلمية الأساسية من اقسام الفروع العلمية.
ومن بين المستجدات العديدة التي تضمنها مقترح مشروع القانون الجديد، لتعزيز الجوانب الاستقلالية، واللامركزية، استحداث هيئة لضمان الجودة ومنح الاعتمادية، تهدف إلى ضمان مستوى جيد من التعليم والتدريب، وتؤمن للطلبة البيئة الأكاديمية والاجتماعية السليمة، بما يضمن حقوقهم والمستوى المطلوب داخل مؤسسات التعليم العالي الحكومية وغير الحكومية، في الإقليم، بكل مراحلها الدراسية (الأولية والعليا).. وتتخذ الهيئة قراراتها بنحو مستقل عن الوزارة، ضماناً لاستقلاليتها المهنية.
ومنها أيضاً، بحسب المقترح، استحداث هيئه لتقييم البحث العلمي وتمويله، تكون مستقلة، لا تخضع في أعمالها وقراراتها إلاّ إلى نظامها الداخلي.
منصة للإنطلاق نحو المستقبل
إن المسودة المقترحة لمشروع القانون الجديد للتعليم العالي والبحث العلمي في إقليم كوردستان العراق، تشكل منصة كوردستانية جديدة تؤمن الانطلاق نحو المستقبل، واللحاق بركب العالم المتقدم، في حلقة نوعية حيوية بالغة الأهمية، هي الأساس الذي يرتكز عليه تقدم المجتمع، برغم أن هذه المسودة ما تزال تخضع لمناقشات مستفيضة، لبلورتها بصيغتها النهائية، قبل رفعها إلى مجلس الوزراء الكوردستاني، ومن ثم إلى برلمان كوردستان، إذ طلب وزير التعليم العالي البروفيسور دلاور عبد العزيز علاء الدين، من رؤساء الجامعات والهيئات العلمية فضلاً عن خبراء متخصصين، وبرلمانيين، دراستها بتمعن لإغناء محتواها، وسد ما قد تتضمنه من نواقص.
كما دعا الاسبوع الماضي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، عبر مدير مكتبها في العراق، د.محمد جليد، لتقديم المساعدة في هذا المجال، من خلال رفد الوزارة بالخبرات العالمية المطلوبة في هذا المجال، بما يتيح لها الإطلاع على عدد من تجارب الدول المتقدمة في وضع التشريعات اللازمة للارتقاء بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، ووضعه على المسار الصحيح.
إن المسودة المقترحة لمشروع القانون الجديد للتعليم العالي والبحث العلمي في إقليم كوردستان العراق، تشكل خطوة أخرى على طريق “رحلة الألف ميل”، لتخليص قطاع التعليم العالي الكوردستاني، من تعقيدات القانون المعتمد حالياً، الذي لم يعد ينسجم أبداً مع طبيعة الحياة في العراق الجديد بعامة، وفي إقليم كوردستان بخاصة.. مثلما تشكل مطلباً يتوق له كل من ينشد الارتقاء بهذا القطاع بالغ الأهمية في المجتمع.