رؤيا الوزارة واستراتيجيتها

تطلع و رؤيا في نظام التعليم العالي والبحث العلمي فی إقليم كوردستان العراق
رفع المستوى النوعي في مقدمة أولوياتنا

البروفيسور دلاور عبدالعزيز علاءالدين
وزير التعليم العالي والبحث العلمي
  في حكومة اقليم كوردستان

8/11/2009

إن دور مؤسسات التعليم العالي (الجامعات و المعاهد) في عملية بناء الدولة المؤسساتية والبنية الفوقية والتحتية فعّال وحيوي، لذا فإن العناية برفع المستوى العلمي والتقني في هذه المؤسسات أصبحت من أولويات الشعب والحكومة، ولايخفى أن نظام التعليم العالي في الإقليم محاكاة للأنظمة التعليمية المتبعة في الدول المتخلفة في الشرق الأوسط والبلدان التي كانت تسمى بـ (الشيوعية الشرقية) إذ بني فيها هيكل الإدارة ونوعها  على شكل هرمي، إذ يتركز اتخاذ القرار وتتكثف في القمة، على وفق عملية بيروقراطية قاتلة تتبع من الأعلى إلى الأدنى، من غير أن يكون لأعضاء الهيئة التدريسية. والعاملين في هذه المؤسسات والطلبة وغيرهم ايّ دور في التخطيط والاستشارة لادارة هذه العملية وصياغة قراراتها، ومن غير أن يكون هناك أي ضغط أو تقويم أو مراقبة ديمقراطية لعملية الأداء، من الأدنى إلى الأعلى، في مؤسسات التعليم العالي، بما في ذلك تقويم الرواد الأكاديميين والقادة الإداريين وبالضغط عليهم لرفع مستواهم العلمي والإداري وضمان الجودة والنوعية.

  فاصبح أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة ضحايا لهذا النظام التعليمي. ووقع البلد تحت وطأة نظام يحول دون التنمية والتطور والإصلاح والتجديد.

  ونرى في الإقليم ازدياداً سنوياً مطّرداً في عدد الطلبة، وإقبالا على الدراسة، يتبعها فتح كليات ومعاهد كثيرة طوال سنوات مضت، وعلى الرغم من ذلك فإن المستوى العلمي وقيمة الشهادات الممنوحة وهيبة النظام التعليمي لم تزل دون نظيراتها في العراق ودول الشرق.  وهنا نسأل: هل يمكن تغيير النظام التعليمي برمتهِ جملةً وتفصيلاً، تقريراً لمستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية الواعدة، وتحريراً لما علق بهذا النظام من المعوقات، فضلا عن التحديات الخانقة؟ وسيكون الجواب: نعم، فتحقيق هذهِ المعجزة ليس مستحيلاً، إذ يحتاج إلى الهم العالية. وتظافر الجهود والتضامن والعمل الجاد والمثابرة وتعاون الغيارى لمحبي العلم وأهلهِ.

  لقد تهيأت لنا في الوقت الحاضر فرصة تاريخية فريدة يمكن من خلالها تحقيق كثير من أحلامنا وآمالنا، لكن مجابهة هذه التحديات العظام وتحقيق هذه الأحلام والآمال، والنهوض بها لا يمكن أن يتولاها شخص واحد، أو فريق واحد، أو وزارة واحدة، أو يد واحدة من الحكومة، كما لا يمكن تحقيقها بين عشيّة وضحاها، ولا من خلال سنة واحدة أو سنتين، أو في فترة حقيبة وزارية واحدة، بل يحتاج إلى همة عالية من العمل الدؤوب دون ملل اوكلل، والتضامن والتعاون وتظافر الجهود لكافة أطياف المجتمع داخل الإقليم وخارجه، مع أن المشاكل معقدة ونظام التعليم العالي في الإقليم عديم الجدوى، فضلاً عن المعوقات والتحديات داخل نظام التعليم في الإقليم، فيجب البدء بعملية التغيير على وفق رؤية وتطلع وإستراتجية واضحة وخطة مدروسة طويل الأمد, وتقع مسؤولية نجاح هذه العملية على : البرلمان والحكومة والقيادة السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد والمجتمع الطلابي وأطياف الإقليم كافة.

محاور التغيير:

 يجب أن تقوم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالمراجعة وإعادة النظر في القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات، بحيث لا تنظر إليها بأنها غير قابلة للتعديل أو التبديل والتغيير، بمواءمتها وخدمتها للإصلاح والنهوض بها نحو نوعية أفضل الخدمات، بنقد بناء وإعادة نظر هادف وتغيير نحو الأفضل، كما أن أعمال الوزارة ومهامها يعاد فيها النظر أيضاً، وتتلخّص المحاور في الآتي:

أولاً: ستراتيجية التعليم العالي:

 يجب تكثيف الجهود والتضامن ـ وفي أعلى المستويات، والتعاون مع وزارات حكومة الإقليم وهيئاتها كافة، ولاسيما وزارة التخطيط، لإعادة النظر في إيجاد التوازن بين ناتج التعليم العالي من الخريجين وحاجة السوق من الاختصاصات المختلفة، كمّاً ونوعاً مع الدقة في تأهيل الطلبة وتدريبيهم بما يوائم سوق العمل في الإقليم.

فعلى سبيل التمثيل: إنّ الإقليم الآن في ظل التطور الاقتصادي الذي يشهده بحاجة إلى كوادر الخدمات في مجال الفندق والسياحة وخدمة المطاعم واستقبال المطارات واستضافة القادمين، أكثر من ذي قبل، والأمر نفسه في مجال صناعة النفط ومعامل الاستثمار وأنماط البناء الحديثة، كلّ هذه المجالات لم يُعنِ بها في مجال التعليم العالي في الإقليم بما يتماشى مع العالم المعاصر ويواكب سرعة التطور والتنمية.

لذا يجب تحديد حاجات الإقليم الحالية والمستقبلية معتمداً على الأحصائيات والقاعدة البيانية الموثقة، وفي ضوء ذلك يجب أن يتم فتح الكليات والمعاهد ذات الصلة مستقبلاً.

ثانياً: دور الوزارة

 قبل تشكيل الحقيبة الوزارية الخامسة في حكومة إقليمية موحدة، كان هناك مجلس للتعليم العالي يدير شؤون التعليم العالي في الاقليم، يرأسه مباشرة رئيس وزراء في حكومة الإقليم، ويضم في عضويته رؤساء الجامعات وهيئة التعليم التقني ودائرة القبول المركزي، وممثل وزارة التربية، وكان هذا المجلس لايضم مؤسسة إشرافية تقويمية أكاديمية لضمان الجودة والنوعية، ويتبع هذا المجلس نظاماً قديماً يتخلله نقص كبير، وبعد تحرير العراق، وضمن الحقيبة الوزارية الخامسة في إدارة حكومة الإقليم تمّ تأسيس وزارة موّحدة للتعليم العالي والبحث العلمي، وفي فترة زمنية قياسية استطاعت هذه الوزارة أن ترأب الصدع ويملأ فراغات كثيرة بين مؤسسات التعليم العالي، وتقوم بوظيفتها في هذه المرحلة الانتقالية، مما يستدعي الشكر والامتنان لأعضاء الحقيبة الخامسة والعاملين في وزارة التعليم العالي كافة.

و تلعب الوزارة الآن دورها المحوري في نظام التعليم العالي، ولاشكّ في ضرورة النهوض بها وتطويرها، الاّ أن تجارب السنين الماضية أثبتت أن الطراز العراقي لإدارة التعليم العالي طراز بيروقراطي، لا يمكن تطويره وتحسينه نوعياً، إلا في أضيق الحدود، لذا يجب تظافر الجهود، مع الجهات ذات العلاقة لإعادة النظر في مهام وزارة التعليم العالي ووظيفتها وهيكليتها و نمط علاقاتها بمؤسسات التعليم العالي وتفاعلها معها، إذ يتحتم على الوزارة أن تكون في موقع المبادرة الفعالة والثقة العالية والريادة الحكيمة لقيادة هذه العملية.

فتتمخض مهام الوزارة طوال السنوات القادمة في الآتي:

1. إعادة صياغة هيكلة الوزارة والجامعات والهيئات، بوضع نظام ديمقراطي معاصرٍ يتواءم مع العالم المعاصر، يضمن حقوق الهيئة التدريسية والطلبة والعاملين في مؤسسات التعليم العالي كافة.
2. إعادة النظر في النظام المالي وتمويل الجامعات والهيئات، على وفق معادلة وموازنة تأخذ بنظر الاعتبار المستوى النوعي والكمي، مبنيّة على أسس المنافسة البناءة.
3. المراقبة و الإشراف على أداء عملية التعليم والبحث العلمي في الجامعات والهيئات، بحيث يكون أداء التدريسيّ جزءاً من متطلّبات الترقية العلمية والوظيفية.
4. رعاية الجوانب الإنسانية وحقوق الإنسان في الجامعات وهيئات التعليم العالي، بما في ذلك: المحافظة على القانون ومكافحة الفساد، وتحسين البيئة وسلامتها، والمساواة بين الجنسين، وحماية حقوق الأقليات غير الكردية، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وما إليها.
5. إعادة الصياغة لسياسة تمويل البعثات والزمالات الدراسية بما يرفع المستوى الادائي والنوعي للجامعات والهيئات، وبما يلبي حاجيات سوق العمل، ويحلّ مشاكل الإقليم وعثراته.

ثالثا: استقلالية الجامعات و هيئات التعليم العالي

 يحلم الشعب ويطمح الحكومة والمؤسسات الأكاديمية في الإقليم في رفع مستوى الجامعات والهيئات العلمية لترتقي فتكون قدوة العراق قريباً، وتصبح مثالاً يحتذى بها في الشرق في المدى المتوسط، وتصل في أبعد من ذلك إلى مصاف الجامعات العالمية.

ولا يخفى أن العائق أمام تحقيق هذا الهدف هو عدم استقلالية الجامعات وهيئات التعليم العالي، لذا فإن استقلالية الجامعات والمعاهد هي السبيل الوحيد الذي يضمن رفع المستوى النوعي في التعليم العالي، بنقل الصلاحيات الأكاديمية والمالية والإدارية كافة من الوزارة، إلى الجامعات وهيئات التعليم العالي فالكليات والمعاهد ورؤساء الاقسام، وتوزيعها فيما بينها على وفق هيكلية ديناميكية ديمقراطية، لتنحصر مهام الوزارة ووظيفتها في الإشراف والتقويم والتمويل والمراقبة والمتابعة، وفي ذلك يكمن سرّ التفوق المستمر لأنظمة التعليم في بلدان: كأمريكا وبريطانيا واستراليا، لتحتلّ جامعاتها القمة في جدول أفضل الجامعات العالمية، في حين إنّ جامعات الدول الأوروبية الأخرى، من أمثال: (ايطاليا و فرنسا) لم تصل إلى مصاف جامعات الدول السالفة إلاّ نادراً، لأن جامعاتها لم تستقلّ بعدُ استقلالاً كاملاً.

إنّ جامعات وهيئات التعليم العالي في الإقليم في وضعها الراهن غير مؤهلة للاستقلالية والإدارة الذاتية وإصلاح بناها التحتية والفوقية على الأسس الديمقراطية، إذ إنّ هيكلتها الإدارية الحالية لا تؤهلها لتتبوأ بنفسها الإدارة الذاتية، فتستقلّ بشؤونها في إدارة رشيدة، اذ إنّ نقل السلطة في الوضع الراهن من الوزير إلى رئيس الجامعة فعميد الكلية أو المعهد، يعني استبدال دكتاتور واحدٍ بعدد من المستبدّين الصغار، و هكذا دواليك، لذا يجب تغيير مصدر السلطة في الهيكلية الإدارية، لتبدأ من الأدنى، فالأعلى، فيصبح الإداريون: (رؤساء الجامعات والهيئات، وعمداء الكليات و المعاهد ورؤساء الاقسام) مسؤولين أمام التدريسيّين و الطلبة والعاملين في المؤسسة التعليمية، مما يمكّن القاعدة من تغيير قادتها الى الإدارة الرشيدة. وفي الوقت نفسه يمكن تحسين الأداء للإداريين و التدريسيين و الطلبة من خلال إيجاد منافسة مبنية على الحثّ و الضغط و التثمين و التقويم والمكافأة، يتمخض عنها قرارات التخصصات والتمويل والمنح للجامعات والهيئات، والترقيات العلمية والوظيفية للاداريين وأعضاء الهيئة التدريسية.

وفي هذا الصدد تكون إحدى أهم أولويات وزارة التعليم العالي و البحث العلمي:أن تخطو خطوات راسخة مبرمجة متعاقبة هادفة لمعاضدة الجامعات و هيئات التعليم العالي، ومساعدتها لتثبيت دعائم استقلاليتها و ترسيخها، في خطوات راسخة متعاقبة سريعة تنقل من خلالها صلاحيات الوزارة إلى مراكز الجامعات و الهيئات، ومنها الى العمادات ورؤساء الاقسام العلمية.

و تتمخض الاستقلالية هذه في وضع منظومة منتخبة، يشترك في اتخاذ القرارات ومراجعتها ومتابعتها، التدريسيّون و الطلبة، فضلاً عن الإداريين.

رابعاً: إعادة صياغة قانون التعليم العالي و البحث العلمي:

 إنّ قانون وزارة التعليم العالي و البحث العلمي، أسوة بالهيكلية الإدارية لمؤسسات التعليم العالي، تم سنّه على وفق النظام الشرقي، مضافاً إليه بعض الحداثة، فمعظم فقراته عوائق أمام التطور و التقدم والتنمية، لذا تجب إعادة صياغتها من جديد في أقرب فرصة، بالتعاون مع لجنة التربية والتعليم العالي في برلمان كوردستان، وباستشارة الخبراء والاختصاصين داخل الاقليم وخارجه، و لتحقيق هذا الغرض ستتم اتصالات مباشرة في الوزارة مع  رئاسة البرلمان و لجنة التربية و التعليم العالي للعمل على مراجعة هذا القانون وتعديله، في أسرع وقت، حتى لا يكون القانون الحالي عائقاً أمام عملية التغيرات و التحولات النوعية.

خلاصة الرؤية والرسالة:

إنّ مسيرة التعليم العالي والبحث العلمي في الإقليم تحتاج الى رؤية مستقبلية جادة ودقيقة، وخارطة طريق مدروسة بطريقة متقنة، وما قدّم هنا لايعدو أن يكون نقاط ستراتيجية رئيسة عرضت لمداولتها ومناقشتها والبحث فيها، ولايخفى أن تفصيلاتها و دقائقها عويصة، إلاّ أنه بالبحث الحثيث والعمل الدؤوب و إرادة القادة الأكاديميين، و تضامن التدريسيين والطلبة، وتعاون أبناء الإقليم كافة، لابد لها أن تتقدم، وتخطو خطوات راسخة لتحقيق الرؤية والرسالة ومواكبة المسيرة.

وزارة التعليم العالي والهدف من ذلك هو مساعدة مؤسسات التعليم العالي لتحقيق التميز في التدريس والبحث العلمي ، وتصبح قادرة على المنافسة دوليا ، وجعل التعليم العالي متطابق على نحو متزايد مع سوق العمل، وتمكين الخريجين في المستقبل لتكون قادرة على المنافسة وعلى درجة عالية للتوظيف. 

استراتيجيتنا للسنوات القليلة القادمة هي:

  1.  إصلاح الهيكل الإداري للوزارة ومؤسسات التعليم العالي ، واستحداث دينامية وديمقراطية وقابلة للمساءلة النظم.
  2.  مساعدة مؤسسات التعليم العالي على أن تصبح مستقلة على نحو متزايد
  3.  إدخال تدريس ضمان الجودة ، على أساس تقييم الطلاب والموظفين.
  4.  استحداث آليات لرصد الأداء وربطها في الراتب وترقية.
  5. مراجعة نظام التعليم العالي ، بما في ذلك ماجستير ، دكتوراه البرامج.
  6. مراجعه‌ التنوع وتوزيع الاختصاصات في جامعات كردستان ، والتناغم بينها وبين سوق العمل في المنطقة.
  7.  استحداث آليات لمراجعة الحسابات لضمان الجودة ، والمساواة ، والمساءلة ، وحقوق الإنسان.
  8.  النظر في نظام تمويل الأبحاث والإدارة
  9.  مراجعة برامج البعثات واطلاق دورات من تمويل المنح الدراسية للسنوات الخمس المقبلة.
  10.  مراجعة القانون والعمل عن كثب مع اللجنة البرلمانية ذات الصلة على صياغة قانون جديد من شأنه أن يسمح الاستحداث فی للنظام.